
بقلم نور كرم
وفي يوم جديد أشرقت شمسه!!
فتحت عينيها بثقل وهي تضع يدها فوق رأسها تتأوه بألم:
آااه... ر..أسي!!!
اتسعت عيناها برّعب عندما وجدت نفسها في غرفة مجهولة غير غرفتها، فأنزلت يدها وأخذت تتفحص الغرفة بخوف وتهتف:
- يا أمي... أنا فين!؟
هرعت من مرقدها راكضة خارج الغرفة، لتجده جالسًا على كرسيه يتناول الطعام.
دون أن ينظر إليها قال بجفاء:
- تعالي افطري، لسه مشوارنا طويل!
رفعت حاجبيها بتعجب، فتنهد هو بعمق وقال:
- متستغربيش كده... أنا أقدَر أحس بيكِ من غير ما أشوفك يا مسكرة!!
قطبت حاجبيها بدهشة قائلة:
- "مسكرة"؟ الجملة دي مش غريبة عليّا!!
- تعالي افطري... شكلك مرهقة، ولسه محتاجينك!
هتف بهدوء دون أن ينظر إليها، ففركت أناملها بتوتر وخطت بخطى وئيدة وجلست أمامه قائلة:
- هو أنا... ممكن أعرف آخِر الجري ده كله إيه!؟
هنوصل لفين بعد كل ده!؟
- والله هنوصل لفين دي لما نقدر نمسك عزّام واللي وراه متلبسين... هنخلص إمتى؟ الله أعلم، ممكن نقعد سنين في العملية دي!
قال بفتور وبساطه وهو يرمق الحاسوب أمامه، فازدردت ريقها بصدمة وقالت:
- سنين!!؟
وماما... وشريف؟ يعني أنا كده مش هتجوز!!
كاد يضرب رأسه في الحائط من شدة الغباء الذي تمتلكه تلك الفتاة المجنونة، رمقها بنظرات حادة، فابتلعت ريقها وقالت بوجهه:
- أنا عايزة أعرف... هو ذنبي إيه أصلًا في كل ده؟ وليه أنا؟
عزّام الأسعد عرض عليكِ الجواز وإنتِ رفضتِ، صح؟
هدر بحدة، فتسعت عيناها بدهشة قائلة بتوتر:
- وإنت... إزاي عرفت!!!
- مش شغلك عرفت إزاي... إنتِ رفضتِ ليه؟
قال بأمر قاطع، فازدردت ريقها وقالت بتلعثم:
- أنا رفضته لأني مخطوبة!
- مخطوبة!... وخطوبتك دي تخليك ترفضي واحد زي عزّام الأسعد!؟
قال باستغراب وكأنه يتهمها بشيءٍ ما، فقطبت حاجبيها وقالت بتعجب:
- قصدك إيه يعني؟ هو إنت مش مصدقني!؟
ثم أكملت بصوتٍ حاد:
- على فكرة، الراجل ده أنجس راجل شوفته في حياتي، ولو هيغرقني دهب عمري ما أكون ليه... ده غيـ...!! ده غير إنه...!!
غير إيه؟ اتكلمي!
هدر بجفاء، فارتفعت عيناها بألم لا تريد تذكّر تلك الليلة وقالت:
- ده غير إني قبل ما أمشي من عنده حاول يتهّجم عليّا... ولولا إني ضربته على دماغه كان حصلت مصيبة!!!
اشتعل وجهه من فرط الغضب "حاول الاقتراب منها"!!!
رفت عينه ثم عاد يهتف:
- عملك حاجة؟ لمسك؟ أو حتى لحق يـ...!!
- عيب عليك كده يا باشا... إنت صحيح متعرفنيش، بس أنا أرجَل من مليون راجل!
مين ده اللي يقرب مني ولا يحاول يلمسني؟!
ده أنا كنت فتحت قرته نصين!!
هدرت بفحيح يُظهر الفتاة القوية بداخلها، فزفر هو براحة قائلاً:
الحمد لله!!
الحمد لله!؟
هتفت باستنكار، فاستفاق هو مما قال، ورقّت عيناه للحظات ثم عاد يقول:
- المهم دلوقتي... عايزك تحكيلي عن أي حاجة غريبة كنتِ بتشوفيها في الشركة دي.
مؤتمرات، اجتماعات خاصة... كان بيسافر لأنهي بلاد الفترة اللي فاتت؟
جلست أمامه تحاول تجميع شتاتها المبعثرة وقالت بهدوء:
- هو كان بيسافر بلاد كتير جدًا، بس أكثر بلد بيتردد عليها دايمًا... تركيا!
وبالنسبة للاجتماعات... كان في اجتماعات كتير بيخليني أحضرها معاه، وأخرى بيخليني أنصرف!
ثم هتفت بلهفة:
- وآه، وسمعت حاجة بخصوص تركيا قبل كده... كأنه كان بيتكلم في التلفون مع شخص كبير أو واصل، وكان شخص عربي، وقال له:
"ميعاد تسليم البضاعة الحد الجاي، وإنه واخد باله جدًا من الأخطاء اللي ممكن تحصل!"
- حلو أوي... تقدري تقوليلي إذا ذكر قدامك البضاعة دي عبارة عن إيه؟
سألها بتساؤل، فهزت كتفيها بجهل قائلة:
لأ، أنا بس سمعته بيقول كده!
أغمض عينيه بنفاد صبر، ثم عاد يرمق تلك العيون الرّيمة ذات النظرات البريئة... بالتأكيد من يملك عيونًا مثل هذه لا يكون إنسانًا سيئًا، بالتأكيد هي ملاك.
تنهد بعمق وعاد يهتف بهدوء:
-كب يلا كلي!
- أنـ.....أنا صراحة عايزه أطمن على ماما هي كويسة!؟
هتفت بنبرة خائفة، ليتنهد هو بعمق وقال:
- متخفيش عليها هي في عنينا.... أنتِ بس اللي في خطر على حياتك!!!
- طب هو أنا عندي سؤال!؟
هتفت ببراءة، لَيومئ هو رأسه بالموافقة... تنهدت بعمق وقالت بحيرةٍ:
- هو دلوقتي أنا متهمة إني سرقت... ورق من خزنة عزّام الأسعد "... يعني أنا دلوقتي مش عزّام بس اللي بيدور عليا.. ده هو والشرطة... لأنهم أكيد شاكين فيا.. أنا هنا بقى بعمل إيه!!!
لم يتوقع سؤالها أبدًا، رفع حاجبيه بدهشة ثم عاد يجول بعينيه وقال متلعثمًا:
- يعني... أنا لقيت إنك إنسانة كويسة متستهلّيش اللي هيحصل فيكِ... إحنا في مخابرات خاصة يا "هند" يعني مش مجرد تحقيق... ده هيبقى متحفظ عليكي لحد ما تعترفي بأي حاجة.... ولأني عارف إنك طيبة كنت سلمتك دلوقتي!!
بس ده مش يُعتَبر تهرّب من القانون... يعني كده هتحاسبي وكده هتحاسبي!
هتفت بهدوء، لَيَزفر هو بضيق قائلاً:
- أنا اللي مسؤول عن قضيتك... وطول ما أنتِ معايا مفيش حد هيقدَر يلمسك!!
تنهدت براحةٍ وخفضت عيناها، لتقول:
- ماشي.... بس يا رب خير نفسي قوي ربنا يعدّي الأيام دي على خير!!
ثم عادت تهتف بانفعال مفاجئ وغضب:
- عشان أرجع وأقتل شريف... ده بإيدي... وانا اللي كنت فاكراه راجل أعتمد عليه.... أقول له مخطوفة يقفل السكة في وشي دانا هفرجه... وهفضحه!!!
كان ينظر لها ببلهة لا يعرف ماذا يقول؛ رغم ما تمكّنه من خطر أن لا يجول في فكره الشاغل غير ذلك "شريف". آه، الفكرة تغضبه بشدة ولا يعرف لماذا... لكن تصورها مع رجلٍ آخر يجعل قلبه يشتعل غضبًا وحقدًا على من سيمتلك تلك الملاك... سليطة اللسان، مجنونته الخاصة!
ابتسم بعفوية دون أن يلاحظ، ثم تبدّل محيّاه لدهشة عندما سمع قولها:
- هو حضرتك بتضحك مع مين!!؟
رفع حاجبيه بدهشةٍ، وتسكن لسانه لملاحظات ليتنهد بعمق وقال بجفاء زائف:
- مفيش!
هو أنا... أنا يعني كان عندي سؤال صغير بخصوص، أننا الفترة الجاية يعني مع بعض... فلازم أعرف مين اللي معايا ده شخص كويس ولا وحش!؟ صح
هتفت بهدوء، لَيقطّب حاجبيه بستنكار قائلاً:
- شخص كويس ولا وحش... حضرتك أنا الرائد في القوات الخاصه مش عيل توتو بتاع باب وماما... أنا راجل مسؤول عن فرقة بحالها تسد عين الشمس... وإنت جايه تقوليلي نتعرف!!
- أنــ.. أنا والله مقصدتش.. بس كنت هسأل سؤال عابر!!
هتفت بهدوء، لتعود وتردف بجنون وضيق:
الله... إنت محسّسني إني بشتمك.... كل ده عشان عايزة أسألك سؤال... لا لا لا..... باين التعامل معاك هيبقى صعب أوي... يا سعت الرائد!!
قالت آخر كلماتها بحزم وضيق... قبل أن تلتفت وتذهب من أمام عينيه المذهولتين!! ابتسم بتساع على تلك المجنونة... فلمّ يخطئ أبدًا عندما سمّاها بذلك الاسم... فهو لن يليق إلا عليها فقط!!
• • • •
وفي مكان آخر... بشركة عزّام تحديدًا.
كان يضع الهاتف على أذنه ويضحك بسماجة، ثم قال متبسمًا متظاهرًا بالطمأنة:
- يا باشا متقلقش... مفيش حاجة من دي هتحصل.... التسليم هيبقى في معاده... ومش عيلِة زي دي اللي هتعطلنا ، والورق اللي معاها مش مهم.... ومعلش يا باشا، إنت مش بتوصلك الأخبار كلها ... أنا متحفظ عليها، وقدرت أعرف فين الورق وهو معايا.... لو عايزني أبعتلك نسخة تحت أمر... ولا تقلق يا سعت الوزير، كل شيء في الضمان... وبعدين إحنا مش غراب عن بعض... ده ياما جمعاتنا صفاقات!
طيب يا باشا... مع السلامة... سلام يا باشا في رعاية الله.
أغلق الهاتف، تنهد بعمق، واشتعلت عيناه بضيق. رمى الهاتف بالحائط بغضب، فسقط مهمشًا على الأرض، وهدَّر بفحيح:
- يعني إيه حتت عيلة زي دي... فحلين زيكم مش عارفين يجيبوها؟ مين اللي معاها ده وإزاي عارف كل تحركاتكـوا كده؟!
تصنّم الرجلان أمامه بذعر، كأنهما تماثيل. التفت إليهم ثم رمقهم بحدة قائلاً بتحذير صارم:
- مش هتكلم كتير... قدامكم يومين بس! البنت دي لو ما ظهرت هي والورق اللي معاها، هقتلكم كلّكم!
أمرك يا باشا!
صاحوا بصوت واحد، تنفّس هو بحدة وقال بغضب:
- يلا... اطلعوا من وشي! برررره
هدي نفسك يا سعت الباشا، إحنا لسه محتاجينك يا بوص! قالت إحدى رجاله.
جلس هو فوق الكرسي وتكىء للخلف بملل قائلاً:
- أهدى إزاي يا "وليد"؟ بنت زي دي توديني في داهية... بقالي سنين ، ما حدش من الداخليه قدار يمسك عليا غلطه ، وفي الآخر تيجي وتسرقني، وتاخد الورق اللي في خزنتي!
- ممكن تكون عملت كده عشان تنتقم منك وتخليك تلّف حوالين نفسك، يا باشا،
قال وليد بهدوء ماكر، لـ يرفع الأخر حاجبيه متسائلاً:
- قصدك إيه؟
ابتلع الآخر ريقه ورفّت عيناه بتوتر قائلاً بنبرة ماكرة ومرتبكة:
- يعني... حضرتك عارف، وأنا عارف... إنت بتعمل إيه مع البنت دي مع إنك عارف برضه إنها بنت نظيفة!
ومش زي بنات اليومين دول بيجوا بقرشين.
-" وليد.".. اطلع من وشي كمان!
هدر بحدة.
- أمرك يا باشا!
ردّ سريعًا، ثم رحل وهو يتمتم لنفسه: "هي كده كلمة الحق بتزعل"...
أحتدت عين الأخر وهو يرمقُه راحلًا، لـ تكشر أنيابه بفحيح قائلاً بوعيد سام:
- وقسمًا بالله، اللي متعملش بردكِ هيتعمل غصب عنك يبنت الـ...."
• • • •
كان صوته حادًّا يصل إلى مسمعها، لكنها لم تفهم شيئًا مما يقول. وقفت من رقدتها تخطو ببطء، وضعت أذنها على الباب وهي تحاول أن تفهم لكن بلا فائدة. فتح الباب فجأة فارتدّت هي بخوف ورمقت عيناه الحادتان كالصقر. كان أول من قطع الصمت قائلاً بغضب:
- أنتِ بتعملي!؟ بتتصنتي عليا!؟
ارتجفت أوصالها من صوته الحاد، واتسعت عيناها بذهول فتصاحت بنبرة مهتزة:
-أبدًا والله... أنـ... أنـا سمعت صوتك وإنتَ بتزعق وكنت متعصب عشان كده جيت أشوفك!!!
يصدّق ما تقول، فهو يعرفها ويعرف أنها لا تكذب" تحوّلت عيناه بضجر ثم التفت عائدًا إلى غرفته يتأفف بضيق بين الحين والآخر. تنهدت هي بعمق واقتربت منه قائلة بهدوء:
- مالك!؟ في حاجه!؟
حياتك في خطر... مش عارف أتصرف إزاي!؟
أول مره احس إني متلجّم.... أول مره احس إني مش عارف أتصرف، أنا اللي بقالي فوق خمس سنين بطلع مؤمرايات... وعمليات أجي النهارده وابقا بشكل ده طب إزاي.... كل ده عشان بـ....!!
كان يهدر بغضب وحيرة، حتى توقف في آخر كلماته مصدومًا، وهو يرمق عينها المنتصتة له بشدة: "سحقًا لكِ يا علي..! ماذا تقول أنتَ... لهذه الدرجة تلك الفتاة تسيطر على حالك؟ ألم نقُل بأن العشق ليس لأمثالك؟ فهي ملاك تستحق حياةً هادئةً عابرة خالية من الصعوبات، أمّا حياتك فمعرضة دائمًا للخطر."
وقف من مرقده مرجعًا خصلاته إلى الخلف بعنف، زفر ما في صدره من هواء، واشتد ضيق صدره. كانت هي تترصده، قامت من مكانها وذهبت نحوه. قاطعت حاجباه بتعجب من توقفه عن الكلام، إذ لم تستطع تفسير ذلك الغضب أبداً إيضاً، قالت بهدوء:
- هو حضرتك كويس.... أنا حاسة إنك مش بخير وحاسة كمان إني عملتلك خطر كبير على العملية... وعلى إنها تنجح زي مانتَ عايز، لو توجدي معاك ممكن يعمللك خطر بخصوص الناس دي فسلمني ليهم... أو حتى للبوليس
مهما حصل فيا مش هيكون حاجة قدام إنك تخسر قضية مهمة زي دي!!!
التفت لها بعيون حادة جعلتها تذوّق ريقها وتترجع للخلف من شدة الخوف، فمسك ذراعها بعنف وهدر بحدة في وجهها:
- أنتِ مجنونه..... بعد مخطرت بيكِ وخطرت بنفسي ارجعك لمين لاعزّام... ولا أسلمك للشرطه عشان يعذبوكِ بحجة إنك أكبر متهمه... إزاي تفكري إني ممكن أخاطر بيكِ كده!!
رفعت عيناها الدامعة لتلتقي بعينه النارية وقالت بألم:
- آه... إيدي وجعتني أنا آسفه والله معرفش حاجه حقك عليا!!!
استفاق للحظة مما فعل، فبعد أن أزال أظافره وأنامله عن يدها المرتعشة تأفف بضيق وهو يرمق الدموع في عيناها. تنفّس بغضب لوهلة من شدة ما فعل بها، ثم ارتفع خجلاً وأسفًا وقال بنبرة هادئة بعكس لهجته المشتعلة:
- أنـ... أنـ آسف مكنش قصدي بس كنت متعصب أوي!!
عاد يشير بسبّابته أمام وجهها قائلًا بأمر قاطع:
- أسمعي يا "هـنــد" اللي إحنا فيه ده بقا.. أمر واقع وأنا مستحيل اسلمك لا لعزام ولا للفريق... لأن في الحالتين هتتبهدلّي... أنا عايزك معايا أنا هقدر أحميـكِ أكثر... وأخلي بالي منك أنتِ وعيلتك
تنهد بعمق ليكمل بهدوء:
- فـ أسمعي بقا يا بنت الناس... لو على الطه اللي إحنا فيها فحنا خلاص اتلطنا مع بعض!... وربنا بلاني ببلوه زيك عشان تسليني وتقرفني في العملية اللي مش بينلها راس من رجل دي!!!
تنهد بعمق، وهو يرمق عيناه بأبتسامه هادئه لـ يقول:
-يلا اضحكي بقا يا مسكره كفاية المرار اللي احنا هنشوفه!!!
- بس متقولش بلوه... ولا تقولي يا مسكره دي!
هاجمتْه بغضب وهي تجفف عبارتها بكم ملابسها كالأطفال، فقهق هو عليها وضحك قائلاً بين ضحكاته:
- إنتِ لسه بديقك كلمة مسكره!!!؟
سُحِرت بضحكته الرجولية الخلابة، فصحت بلحظة على آخر ما قال، قطبت حاجبيها بتعجب وقالت:
- أيوه... وإنتَ عرفت منين إني بديق منها!؟
جحظت عينها باندهاش كالأطفال ثم همست:
أوعى تكون ملبوس... يعني بتحس بالناس من عن بعد الف متر... وكمان عارف أنا بديق من إيـه حاجة غريبة!؟
- ملبوس!؟
رد عليها بدهشة
ضرب مقدمة رأسها بخفة وقالت بتوبيخ خفيف:
- بس يا بت يا هبلة إنتِ، كل اللي في القصة إني عارفك أكتر من نفسك مش أكتر!!
- وده إزاي بقا مش بقولك ملبوس... يبقا ملبوس!؟
هتفت بتعجب أكبر، فضحك هو من جديد قائلاً بهدوء:
لا مش ملبوس... بس إنتِ فعلاً مش فكراني!؟
- فكرك إزاي مش فاهمه!؟
قالت بتعجب، فابتسم هو بتساع وقال:
- من سنة كده تقريبًا... كنتِ داخلة الشركة وكانت أول مرة أشوفك... خبط فيكِ بالغلط... روحتي إنتِ رفعتِ صوتك عليا في الشارع هاااا
استفزتك وقولتلِك يا مسكره ومن ساعتها وأنا عارف إنك بتديقي منها!
جحظت عينها مصدومة ثم قالت بابتسامة خلابة رسمت على ثغرها:
- يااااه يا باشا من سنة احنا اتقابلنا... أنا مش فاكرة أنا واكل إيه امبارح... أفتكر أنا شوفت مين من سنة...!!!
بدأت تضحك، وطار هو بعينين عاشقتين لا يستطيع إخفاء ما في قلبه مهما تظاهر بالفتور. راقبها من وقتها، يعشق تفاصيلها البسيطة، يعرف ضحكاتها وهمساتها ونظراتها عن ظهر قلب.
قاطعت هي حبل أفكاره، ضيّقت عيناها وقالت:
أيوه... أيوه افتكرت..... إنتَ الواد التوتو اللي خبّط فيّ وقتها... أنا كنت هموت واااا!!!
توقفت عن الكلام عندما رمقته، فازداد حدة عيناه. أدذردت ريقها وقالت بنبرة كاذبة:
- وأشوفك تاني... آه والله كان نفسي أشوفك تاني عشـ... عشان بس أسلم عليك وأقولك يا باشا مصر تسلّم خبطتك من ساعتها وأنا كتفي أتعدال كان معوج كده.... شوفت أتعدال إزاي!!
لم يستطع أن يداري ضحكاته، فابتسمت هي بتوتر وقالت:
ونبي خليك دايمًا بتضحك ضحكتك حلوة!!
تعجّب محياه مصدومًا، فابتسمت هي بغباء وقالت:
براحتك إنت براحتك تضحك تكشر... تعمل اللي إنتَ عايزه يا باشا!!
تنهد بحيرة فهي تبدو غبية جدًا، فلم يجد سوى أن يلتفت ويبتعد قبل أن يفقد أعصابه. ذهبت هي خلفه وقالت بهدوء:
- هو أنا ينفع أقعد معاك هنا... أصل بره كده أنا خايفة لحد يطلعلي من الحيطة!!!
ذهل محياه مصدومًا من سذاجة السؤال... فلو عليكِ أن تجلسي بقلبي فادخلي دون استئذان! تنهد بعمق محاولاً إخفاء نظراته بجفاء زائف وقائلًا:
- أقــــــــعــــــــدي!!
جلست أمامه وهي تفرك أناملها بتوتر قائلة بتساؤل:
- هو حضرتك يعني.. مقضيها قوضي وعمليات خاصة... هو إنتَ عندك عيلة!؟زينا كده
توقفت أنامله عن ما تفعل، وعلّقت عيناه أمامه دون التفات. أغمض عينيه بقوة محاولًا كتم اشتياق دفين، ثم تنهد بمرارة وقال:
لا... ماتـــــــوا!!
شهقت هي مصدومة وألمًا، ورمقته بعينين حزينتين وقالت بهدوء:
- ياربي... أنا آسفة... مكنتش أقصد مكنتش أقصد أبدًا إني!!!
تنهد بعمق قائلاً:
ولا يهمك!!!!
ابتسمت هي بهدوء،
ولكن بلحظه أنقلبت الموازين، لُكِس، باب شقتهم واندفع أحد رجال عزّام إلى الداخل حاملاً سلاحًا،لـ يصرخ هو بحدّة متجهاً الي ذلك الضخم :
- أستخبي هنا بسرعه ومتطلعيش!!!
تجمّدت هي بالرعب، واختبأت وهي تصرخ مصدومة:
- هما بيعرفوا مكاننا منين!؟
هما مركبين كاميرات في قفانا!!! يا رب!؟
• • • •
وبمكانٍ آخر... بأحد الأحياء الشعبية البسيطة،
كانت تمكث امرأةٌ عجوز أمام شباك حارتها الضيقة...
الهواء البارد يمرّ من بين خصلات شعرها البيضاء، يحرّك طرف طرحتها الباهتة،
لكنها لا تشعر بشيء، كل إحساسها كان عالقًا هناك...معه
ترمق الذهاب والآتي بعينين غارقتين في الحنين،
كأنها تنتظر أن يُفتح الباب فجأة... أن تسمع صوته يناديها "يا أمي" مثل زمان،
كأنها تنتظر دلفته من جديد وهي تحمل صورته بين أحضانها المرتجفة.
لـ يدلف من خلفها ابنها الآخر، محاوطًا كتفها،
فشهقت هي بفزعٍ قائلة:
- عــــــــــلـــــــــــي!؟
لكن سرعان ما تبدّل الفزع إلى خيبة...
انكسرت نظرتها، وتبدّلت ملامحها للحزن، وهي تجده أخاه الصغير،
يجلس أمامها متأففًا بضيقٍ قائلاً:
- وبعدين معاكِ يا أمي... ليه قاعدة كده!؟
هزّت رأسها بخفة، وصوتها المتعب يخرج مرتعشًا من بين دموعٍ لم تعد تراها:
- مستنيـة "علـي" ابني... بقاله سنتين مجاش... مشفتوش يا سامح... وحشني وقلبي مقبوض عليه...
من ساعة ما جابنا هنا ومشي، وأنا حاسة إن قلبي راح وراه!!!
كانت تهتف بألم أمٍّ تشتاق لفلذة كبدها،
أمٍّ كبرت فجأة بعد رحيله،
وفقدت بريقها يوم ودّعها، وظلت منذها تحسب الأيام بالدموع.
تنهد الآخر بعمق قائلاً بنعومةٍ يحاول بها بثّ الطمأنينة داخلها:
- إهدي يا ست الكل... أنا جنبك يا حبيبتي، ومعاكِ... وأنا بقى عارف إن علي كويس جدًا وبخير كمان، وأكيد بيبعتلك سلامات!!
أطرقت برأسها، وابتسمت ابتسامة واهنة، وكأنها تحاول أن تصدق الكذبة الجميلة التي قالها.
ثم همست بعينين دامعتين:
- يا رب يا ابني... نفسي يكون كده...
جوايا إحساس كبير بيقولي إنه راجعلي... راجعلي هو كويس وبخير أنا عارفة!!
رفعت يديها المرتعشتين إلى السماء،
تمسح دمعةً سالت رغمًا عنها، وتناجي بصوتٍ مبحوحٍ متعب:
- يا رب رجّعهولي... حتى لو آخر مرة أشوفه فيها... بس ييجي سليم.
زفر سامح بعمق، يخفي تأثره، وقال هامسًا:
- يا رب يا أمي... يا رب يكون بخير... ويرجع لنا بخير!!! –
يتبع "